مع متابعة المرأة تحصيلها العلمي في أعلى مستوياته وإنطلاقها نحو سوق العمل، إكتسبت مركزًا ماليًا مهمًا في بيتها، وحصلت على إستقلاليتها المالية، وأصبحت تساعد الرجل في تأمين أسباب العيش، ونظرًا لهشاشة الفكر الديني عند البعض، بدأنا نشهد بروز ظاهرة عجيبة، وهي سفر المرأة للعمل في الخارج، فأصبح طموح التلميذات في المدارس والطالبات في الجامعات إنهاء الدراسة والسفر إلى دول الخليج من أجل العمل، وعندما نسأل عن أسباب هذه الأحلام يكون الجواب الحاسم: المعاشات هناك أعلى!!!
¤ فتيات اليوم... رجال الغد!!
أوضحت مقالة لجريدة الشرق الأوسط العدد 3574، نقلاً عن المؤتمر الوطني في باريس عام 1987 بعنوان النساء عام 2000، أنه منذ العام 1975 ما انفكّ تشغيل النساء يتزايد بينما يتناقص تشغيل الرجال، ففي كل سنة يدخل إلى سوق العمل مليون وأربعمائة ألف امرأة مقابل أربعين ألف رجل فقط، كما أن فارق الأجر بين الرجال والنساء لا يزال -رغم تقلُّصه- مشكلة خطيرة، إذ يكسب الرجال إجمالاً رواتب أعلى بنسبة 34% من رواتب النساء، وأشار المؤتمر إلى الأتعاب الثقيلة التي تتحملها المرأة خارج المنزل بالإضافة إلى مهماتها المعتادة داخله.
وتقول المحامية الفرنسية كرستين: في فرنسا -حيث ناضلت المرأة من أجل المساواة- ماذا حققت؟ وتكمل: إنه مع الكَدّ والتعب تفقد المرأة أنوثتها، ويفقد الرجل شريكته في الحياة، وتبقى الحياة بلا معنى ولا هدف، وتنقل إنطباعها عن وضع المرأة في الشرق الأوسط بعد زيارتها لكل من بيروت ودمشق وعمان وبغداد قائلة: إنها رأت رجلاً يشقى لكسب قُوته وقُوت عائلته، ويحنّ على زوجته التي تؤمِّن له الرفاهية والحب، وقالت: إن المرأة المسلمة هناك تحقق حلمها في بناء جيل صاعد وفي رعاية الجيل الحالي.
هنا تتحدث المحامية عن العمل ضمن حدود الدولة، فما بالكم بمغادرة المرأة للعمل في الخارج؟
¤ قضيتنا... والمجتمع:
وحول موقع هذه القضية من المجتمع إستطلعنا آراء شريحة من المجتمع:
تخبرنا ولاء -طالبة في كلية الإرشاد النفسي- أن أمها لا تستبعد أبدًا فكرة سفرها للعمل في الخارج، وتقول إن هذا الأمر طبيعي، لأن الفتاة المعاصرة بشكل عام تتمتع بالقوة النفسية والقدرة على تحمل مشقات السفر.
وتقول أم سعيد -معلمة متقاعدة-: إنها لا تعارض أبدًا هذه الفكرة، بل تشجعها، خاصة إذا كانت الفتاة قادرة على تحمل تبعات الغربة النفسية والإجتماعية، وترى أن المجتمع الحالي يتقبل هذه الفكرة ويرحب بها.
في حين لا تحبذ أم يوسف -وهي أم لأربعة أبناء- سفر الفتاة للعمل في الخارج لوحدها إلا إذا رافقها أحد من أقاربها، ولكن إذا كانت مضطرة للعمل وكسب المال فلا بأس في ذلك.
وتقول لبنى -تدرس الهندسة الكيميائية في طولكرم- إنها تتمنى أن تسافر للعمل في دول الخليج عندما تتخرج لأن هذه الدول تقدم فرص عمل مميزة، وتضيف: إنها ترفض فكرة سفر المرأة المتزوجة للعمل في الخارج لأنه من غير المنطقي أن تترك المرأة زوجها وأبناءها من أجل العمل خارجًا، وترى أنّ الفتاة قادرة على المحافظة على أخلاقها ودينها سواء عملت خارج البلاد أو داخلها.
ويعتبر أيمن -وهو متخصص في الأدب الإنكليزي- أن سفر المرأة للعمل في الخارج أصبح أمرًا طبيعيًا... مضيفًا: إذا طلع بإيدها تسافر لا تقصر!
أما أمجد -متخصص في الإدارة والمحاسبة- فيقول: إن الفتاة يجب ألا تسافر للخارج لمجرد العمل، لأنه إذا توفّرت لها فرصة عمل في بلدها فعليها ألاّ تضيعها.
في حين تؤيد كل من شيماء -مدرِّسة أطفال-، وزينة -تدرس المحاسبة- فكرة سفر الفتاة للعمل في الخارج، وتقولان: إذا أرضى هذا السفرُ طموحَ الفتاة فعليها به.
¤ نظرة اجتماعية متخصصة:
تقول المتخصصة في علم الإجتماع إسراء الخطيب إنها لا تؤيد فكرة سفر المرأة للخارج بغية العمل، نظرًا لما لهذه الخطوة من تداعيات سلبية على بنية المجتمع، مشيرةً إلى أن الشرع أيضًا يستنكر هذه الفكرة بشدّة إذا كانت وحدها!
وتلخص لنا الأسباب المختلفة التي توجه الفتيات للعمل في الخارج:
1= تفكك الأسرة، مما يدفع بأبنائها للهرب نحو الخارج بعيدًا عن المشاكل.
2= تراجع سلطة الأب، ومنحه الحرية المطلقة لأبنائه المتعلمين.
3= طموح الفتاة الذي يتمحور حول تحقيقها النجاح المهني.
4= تردّي الظروف الإقتصادية، والحاجة إلى المال.
5= رغبة السوق والمؤسسات العاملة في توظيف النساء نظرًا لإنخفاض معدّلات أجورهن عن نظرائهنّ من الذكور.
6= هشاشة الفَهم الديني لموقع المرأة في المجتمع.
7= إبتعاد الأسر عن الإلتزام بأحكام الدين، وإيجاد المبررات الكفيلة بالحصول على فتاوى تُجيز سفر المرأة للخارج بدون محرم! بل الإقامة وحدها!
8= رغبة الأسر في التمتع بالرفاهية.
9= مماثلة المجتمعات المتقدمة، ونبذ التعصب الجنسي.
10= رغبة المرأة في التمتع بالاستقلال المادي والتحرُّر من سلطة الرجل.
11= لامبالاة الزوج ودفعه زوجته للعمل في الخارج.
وتبرز لنا الآثار التي ستولِّدها هذه الظاهرة:
1= إرتفاع مستوى العنوسة عند الفئة الشابة من النساء.
2= ارتفاع معدل الطلاق.
3= تفكك الأسر، وتزايد نسبة الأسر التي يرعاها طرف واحد إما الأب أو الأم.
4= إنشغال المرأة في العمل الدنيوي، وإهمالها لشؤون منزلها ودينها.
5= بروز المزيد من عُقَد النقص عند الأطفال.
6= تعريض الفتاة للخطر النفسي والإجتماعي المصاحب لعملية السفر والتعامل مع مجتمع جديد.
¤ سفر الفتاة للعمل... موقف الدين:
إن كان هناك تضاربٌ واضحٌ في نظرة المجتمع لهذه الظاهرة، فالفيصل في هذه المسألة هو الشرع، فما رأيه في هذه القضية؟
يقول الدكتور الفقيه عجيل النشمي: لا يجوز للمرأة المسلمة أن تسافر إلى بلد عربي مسلم أو بلد غير مسلم إلا مع محرم لها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها، أو ابنها، أو زوجها، أو أخوها، أو ذو مَحْرم منها»، والمقصود مرافقة المحرم لها في فترة السفر فقط، ولا يشترط أن يوجد معها في البلد الذي تقصده بعد الوصول إليه، وبعد أن يَأْمن عليها في محل إقامتها، وهذا الحكم عام يشمل السفر لغرض الدراسة وغيرها، ولا يُستثنى من هذا الحكم إلا ما كان في حال الضرورة، أو للحاجة الشديدة التي تُنزَّل منزلة الضرورة كالسفر لعلاج مرض عضال يتعين السفر له، وكذا السفر للدراسة يجوز إذا كان التخصّص نادرًا، أو كانت الحاجة إلى التخصّص فيه مُلحّة، ولا يمكن تحصيله في بلد الإقامة، فيجوز أن تسافر، ويُقدَّم البلد المسلم على غيره، وكذا يجوز لها السفر إذا كان لتأمين حياتها أو معيشتها بطريق الدراسة أو العمل، على أن يكون الطريق آمنًا، والسفر جماعيًا كسفر الطائرة، وأن تكون المرأة ملتزمة بحجابها وآداب دينها، وأن تأمن على نفسها في مكان إقامتها وتنقُّلها وما إلى ذلك... ويترتب على سفر المرأة دون محرم، ودون ضرورة أو حاجة ملحّة: الإثم -ولو كان سفر طاعة كعمرة- وعليها التوبة إن حدث منها ذلك.
إخوتي وأخواتي... عرضنا لكم وجهات نظر لعيِّنة من أفراد المجتمع.. وبيّنا الحكم الشرعي في هذه المسألة، على أمل أن نتحرى دائمًا الموقف الذي ينسجم مع أحكام ديننا التي تؤمِّن دائمًا مصلحة مؤسسة الأسرة، اللّبنة الأولى والأساس للمجتمع.
الكاتب: بثينة عشاير.
المصدر: موقع منبر الداعيات.